
يا مريم
لــ سنان أنطون
التقييم: ٥/٥
المراجعة:
ملاحظة: الرواية مأساوية ومؤلمة جداً، وتتزامن أحداثها مع هجوم كنيسة النجاة في بغداد عام٢٠١٠م.
تدور أحداث الرواية فترة الغزو الأمريكي الجائر على العراق وما نتج عنه من ويلات وزعزعة أمنية كانت كفيلة في هيمنة النزاعات الداخلية واشعال نار التطرف الديني والعرقي والقبلي. فبقدر ما يحدث من دمار داخلي يكسب العدو الهيمنة والسيطرة على البلاد.
تتطرق الرواية لمعاناة المسيحيين خلال تلك الفترة من الغزو، ومن منظور مقارنة متمثلة في شخصيتين متناقضتين تربطهما صلة قرابة، فنرى العراق بعين كلاً من "مها ويوسف". بين الأمل واليائس وبين الواقع والحلم وبين الفرار والاستمرار وبين ماضي الجميل والواقع المؤلم. من يندد بحلم الهجرة الى أرض المجهول وتحقيق الأحلام ومحو جميع كل الذكريات المؤلمة، والبدء من جديد في مكان بعيد وآمن، والبعض الآخر من يحث على البقاء في أرض الوطن مع ذكريات الماضي الجميل وأمل بعودة الأيام الجميلة، والحلم بمستقبل مشرق.
شخصية يوسف:
من منظور شخص عاش أيام الرخاء والجمال في العراق. يُجسّد يوسف شخصية (الكبير في السن) يرفض مغادرة العراق متشبثاً بأمل دائم في الذكريات الجميلة التي يحملها في مخيلته وما يكممنه من محبة وولاء لا محدود لأيام الخير والرخاء والجمال في الماضي، فهو يؤمن أنه يقع على عاتقه دين كبير، وعليه سداده بالبقاء في وطنه الحبيب العراق والنضال حتى يعود الاستقرار والأمن إلى سابق العهد.
يظهر يوسف بشخصية المتفائل والمفعم بالأمل، رغم الخراب والدمار الذي يشهده الوضع الراهن. فهو على يقين تام بأن مستقبلاً مشرقاً قريباً ينتظر العراق.
شخصية مها:
من جهة أخرى، مها الشابة الطموحة المعاصرة لما يحدث من خراب ودمار وتفرقة طائفية وعرقية، فهي تمثل الكثير من شباب العربي اليائس والبائس اليوم، الساعي إلى تحقيق أحلامه بعيدًا عن وطنه الأم، مُعتنقًا حلم الهجرة، أملاً في تحقيق أحلامه وطموحاته بعيداً عن مشاكل الوطن.
تربت مها على ما يتناقله آباؤها وأجدادها من أحاديث وذكريات جميلة، فهم يتغنون بمجدهم وتاريخهم العظيم في وطنهم الحبيب. فما بات به حال البلاد اليوم من خراب ودمار ليس دماراً مدنياً أو تدمير للبنية التحتية فحسب، بل هو أيضًا دماراً نفسياً غير مسبوق في التكوين الشخصي للفرد، يتّسم بالانقسامات العرقية والإثنية، والتمييز الديني والطائفي، والاضطهاد، والانقسامات الطبقية التي تُفضّل البعض على الآخر. فيظهر هذا في الحوارات والتعاملات والمواقف التي وجاهتها مها.
إذاً الحل من منظور مها يتمثل في حلم الهجرة، فقد كانت مساعي مها للهروب من الحرب الغاشمة هو مصير محتم لنسيان الماضي والتطلع لمستقبل مشرق بعيدا كل البعد عما يحدث في وطنها.
واخيراً، استخدم المؤلف أسلوب الفلاش باك بشكل متقن في سرد تاريخي للرواية، موضحاً دوافع كل شخصية وأفكارها، والصراعات نفسية، والاجتماعية، والدينية. وكيف فُسرت هذه الصراعات من منظور مختلف لكل شخصية. ويظهر ذلك جلياً في النهاية المؤلمة التي تتوافق إلى حد كبير مع القرارات المصيرية التي اتخذتها كل شخصية.
Comments