مسيح دارفور
لـ عبدالعزيز بركة ساكن
عدد الصفحات: ١١٥ صفحة
التقييم: ٣.٥/٥
ملاحظة: الرواية مأساوية ومؤلمة، والكثير من أحداثها تشابه الواقع المرير وما يمر به السودان الآن.
"أهون للجمل أن يلج من ثقب إبرة من أن يدخل جنجويد ملكوت الله" بهذه المقولة بدا ساكن روايته.
الشخصيات:
الابنة (عبدالرحمن): نعم الابنة! ورد في الرواية سبب التسمية. تمثل عبدالرحمن الناجين والنازحين من الحرب الدامية وكل من تضرر من الجنجويد.
العمة خريفية: وهي تمثل الجزء اللامبالي من الشعب السوداني أو من يظهر عدم مبالاته أو يخفي هذا هرباً من الواقع الأليم، ودائما ما يرمي اللوم على الآخرين ويلهي نفسه بالتفكير في مصالحه الشخصية أو "الفارغة".
شارون أو هارون: يمثل الحركات المسلحة في السودان.
شيكيري توتو كوه: يمثل الجزء الضائع من الشعب، لا يدري ما هي الحرب وما أسبابها ونتائجها ولمن ولماذا يخوض هذه المعركة.
إبراهيم خضر إبراهيم: يمثل الجزء من الشعب السوداني الذي يمشي مع التيار سوا كانت هذه الاتجاهات فكرية أو سياسية أو أخلاقية وغيرها وهو صاحب مبدا غير واضح ومتقلب.
مسيح دارفور: يمثل الرجل الصالح في السودان ذو الكرامات وهو المعجزة الالاهية والمنقذ الأساسي الذي دائما ما ينتظره السودانيون للخروج من تلك المحنة.
المراجعة:
سردت الرواية بشكل درامي سوداوي وتاريخي واحدة من أشرس النزاعات القائمة في السودان والواقعة في إقليم دارفور "الواقع غرب السودان" وهو إقليم جميل غني بالثروات الطبيعية والثقافية وغني بتركيبة متنوعة تتمثل في السكان الأصليين والمهاجرين. لكن طالما عانا هذا الإقليم بالتهميش والحروب الأهلية.
في وصف مثير للاشمئزاز من قتل وحرق واغتصاب وتهجير يحكي المؤلف أصل النزاع القائم في المنطقة، ومن هو المسئول الرئيسي في هذه الحرب؟ بدا من ما يطلق عليهم بالجنجويد، فكشف الستار عن من هم "الجنجويد" ومن اين جاءوا؟ وكيف نشأوا؟ وسبب تسميتهم بهذا الاسم؟ وخصالهم وسلوكهم الفكري؟ وتركيبتهم البشرية واشكالهم الخارجية؟
كيف لبلد جميل مثل السودان ومهد للكثير من الأعراق والثقافات والأديان ينتهي به المطاف بإن يقع في فخ الحرب.
طالما كان الاختلاف والتنوع السكاني نقمة عانى منها السودان منذ الأزل، فالتركيبة الديموغرافية معقدة للغاية، فما بين سكان أصليين وبين مهاجرين امتزجوا وتزاوجوا وبين مهاجرين انغلقوا على أنفسهم وابتعدوا عن هذا الاختلاط، فما يحدث من تصنيفات غريبة يلجأ إليها السودانيون بين ما يسمونهم بالزرقة والعرب، ينعكس هذا في الرواية عند معاناة إبراهيم خضر عند قدومه للعاصمة الخرطوم، فنرى كيف التعامل كان قائم على أساس وتصنيف عرقي وقبلي بحت.
ونلاحظ أن الذين يدعون العروبة بانتمائهم إلى إحدى قبائل الجزيرة العربية وأنهم كانوا سببا رئيسيا في انتشار الإسلام في السودان يجدون أنفسهم في مرتبة أعلى من القبائل الأفريقية.
ومن ناحية أخرى فإن من يدعي الإفريقية يطالب بحقه في ملكية الأرض باعتباره مواطنا أصليا، فيجد نفسه في مرتبة أعلى من أولئك الذين يلقبونهم "بالمستعربين" الذين كانوا في الأصل مهاجرين ونازحين إلى أرضهم. وبين هذا وذاك يقع الخلاف حول الأفضلية الاحقية لمن ينتمي إلى هذه الأرض.
طالما كانت هذه البقعة من العالم منشأ للعجائب والمعجزات. فتاريخ الثورة المهدية خير شاهد على ذألك. تظهر الرواية كيف يمجد السودانيون من تظهر عليه بعض الكرامات "كما يزعمون" حتى وان كانت بمحض الصدفة فهم دائما ما يبحثون عن تلك المعجزة التي سوف تنتشلهم من إخفاقاتهم وتعيدهم من خيبة الأمل، ومن هنا أجد ان ما يرمز اليه الكاتب من ظهور مسيح دارفور هو حدث مماثل لما حدث في الثورة المهدية، فالمسيح هو الأمل المنتظر لشعب دارفور وهو بمثابة منقذ لما يحدث من حروب وانتهاكات وهو بشير لبداية عصر جديد يزهو تحت رايته.
التكوين النفسي للشخصيات مكتوب بوصف واقعي ورائع حيث جسدت كل شخصية فئة معينة في السودان، يظهر هذا في ارتباط الشخصيات مع بعضها البعض بأسلوب درامي جميل، بدا من عبدالرحمن فقد كان هدفها واضح منذ البداية، وعلاقتها مع شكيري الذي رسم على شخصيته الصراع النفسي وعدم الاتزان والتخبط ، فهو مضطرب بين حبه لعبدالرحمن وبين ما يدور في ساحة الحرب، أيضا ارتباطها مع العمة خريفية وطريقتها لتحقيق حلمها مع شارون وإبراهيم خضر. وبالرغم من الخلفية المختلفة لكل شخصية لكن جميعهم تحكمهم نفس القضية.
بالمقابل لم يعجبني عدم اكتمال بناء كل شخصية على حدا فلكل شخصية طابعها الخاص من حروب داخلية نفسية تنعكس على سلوكها الخارجي، ووددت لو ان المؤلف ركز على شخصية رئيسية واحدة وربط علاقتها بالمسيح.
لم استسغ النهاية في الفصل الأخير(الموكب).
جميله جدا وقايه من البساطه والشمول والاختصار موفقه يا دكتوره