لـ دايف إيغرز
التقييم: ٤/٥
المراجعة:
ملاحظة: الرواية مأساوية ومؤلمة، مقتبسه من أحداث حقيقية تسرد معاناة "فالانتينو أتشاك دنغ" بطل الرواية.
- ما تزرعه الحروب من ألم يحصده الناجون في صمت.
تبدا الرواية بحادثة غريبة لـفالانتينو في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي المحطة النهائية التي اتجه اليها ليصبح مواطناً فيها، التحديات التي ظهرت بعد أن ظن انه قد وصل الى بر الأمان في بلد يسوده القانون ويحفظ الحقوق والحريات. فكيف كانت حياته الجديدة؟
بعد صراع داخلي طويل قرر فلانتينو البالغ من العمر سبعة أعوام الهرب مع مجموعة من أطفال قريته الواقعة في جنوب السودان بعد الدمار الشامل الذي حل بها باحثين عن السلام. فكيف كانت الرحلة؟
الأطفال كغيرهم من ضحايا تهجير الحروب الظالمة، فالمغامرة كانت بمثابة إلقاء زيت علي نار مشتعلة، فا إما البقاء والموت مع عائلاتهم وإما الهرب الى مصير معتم غير معلوم. مر الأطفال بكثير من العقبات، بدءا من اتخاذ قرار الهروب فكان السبب الرئيسي من الهجرة حينها ليس البحث عن رغد العيش، بل النجاة والفرار من حرب مندلعة. كانت الرحلة سيراً بالأقدام فكانوا محاطين بجميع المخاطر من مسلحين ومدرعات عسكرية تطاردهم في البر ومن طائرات وصواريخ تقصفهم من السماء، فبمجرد ما يتلاشى خطر حتى يظهر خطر وتحدي أعظم. ايضاً لم ترحمهم التضاريس فواجهوا قسوة الطبيعة القاهرة من الشمس الحارقة في أرض صحراوية تفتقر لأبسط مقومات المعيشة من ماء وغيره، الى عبورهم بغابات مليئة بالحيوانات المفترسة والجائعة والمتأهبة لالتهام تلك الأجساد الصغيرة الواهنة، وفي ظلمات الليل القاحلة صارع الأطفال عبور البحيرات والأنهار وهم يخشون ظهور أحد الحيوانات المفترسة. وكان مشهد الجثث المتناثرة ملازمهم طوال الرحلة مثل ظلالهم، يتبعهم أينما ذهبوا.
بدأت معاناة فلانتينو داخل بلاده من العاصمة السودانية الخرطوم وغربته فيها؟ نعم غربته؟ فكيف للفرد أن يكون مغترباً في بلاده؟ هذا ما حدث معه ومع الكثير والكثير من السودانيين. ولذلك أثر واضح بين الشعب السوداني من تفاوتات عنصرية بين أبناء البلد الواحد، فنرى كيف يعامل ويفضل السوداني أخاه السوداني الآخر، مستندين لنزعتهم الدينية المفبركة والنظرة التفاضلية بين قبائل السودان ومناطقها. فا يا من تحكمون بإسم الدين هل هناك فرق بين عربي وأعجمي؟
أيضاً ظهور الجانب السياسي في الرواية ودور الحكومة السودانية في إشعال النزاع القبلي والحروب الأهلية وما يحدث من جرائم حرب وإبادة جماعية تحت مسمى "التطهير العرقي" قائماً علي أساس تفاضلي بحت، ومن مجازر ارتكبت في مناطق مختلفة في السودان في حق سكان أبرياء لا حول لهم ولا قوة.
أيضاً شهد فالانتينو بعض الانتهاكات التي حدثت من بعض المؤسسات الأجنبية من منقبين عن النفط والثروات في مناطق نزاع مختلفة في السودان ودورهم في إشعال الحروب الاهلية بالتعاون مع الحكومة السودانية، وهذا ما تتطرق له الرواية بشكل خاص في جنوب السودان وإقليم دارفور الواقع في غرب السودان.
ما يدور في عقل فالانتينو هو ما يدور في عقل كثير من الشباب السوداني اليوم، حلم الهجرة الى أرض الميعاد! فالأمل في هذه البقعة أصبح شبه مستحيل، في ظل حكومة الفساد المتعنصرة. اذاً أين نحقق أحلامنا؟؟ هل بالهجرة سواء كانت شرعية أم غير شرعية، وهل الموت في الطريق لتحقيق أحلامنا بات شرفاً عوضاً عن الموت والنضال في سبيل الوطن؟
تظهر الرواية حب غريزة البقاء وحب التعلق بالحياة حتى اخر لحظة، وحب التضحية والاستسلام.
- واخيراَ لتفهم سبب تسمية الرواية بهذا الاسم عليك بالتمعن في قراءة الرواية لتفهم "ماهو الماذا".
Comments