تلك العتمة الباهرة
لـ الطاهر بن جلون
التقييم: ٣.٥/٥
المراجعة:
ملاحظة: الرواية من أدب السجون، حيث تناولت أحداث مؤلمة وقاسية جداً، مليئة بوقائع مزعجة وكئيبة.
الرواية عبارة عن مذكرات واقعية لأحد الضباط الناجين من سجن "تزمامارت" وهو معتقل سياسي سري يقع في الصحراء الشرقية في المغرب. تدور الأحداث بعد تدبير مجموعة من الضباط والجنود لمحاولة انقلاب فاشلة "انقلاب الصخيرات" لاغتيال العاهل المغربي الحسن الثاني في عام ١٩٧١م. بعد فشل العملية حُكم علي المتهمين بالموت وهم أحياء في جحيم تزمامارت.
يروي الكاتب على لسان بطل الرواية "عزيز بنبين" المعاناة النفسية والجسدية للمعتقلين ومراحل موتهم واحد تلو الآخر. لما يرد ذكر أي نوع من أنواع التعذيب الجسدي في المعتقل، فقد أكتفي المعتقلين بالعذاب النفسي، الذي تمثل في بيئة السجن الموحشة حيث الظلام الحالك وسوء التهوية كان كفيل لخلق بيئة خصبة للعفن والحشرات والجراثيم.
كيف تقبل المعتقلين واقعهم الجديد، عندما وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها محتجزين في زنازين مظلمة بدون أي مدخل للهواء ولا الضوء في مساحة تقارب ٣ متر طولاً وعرضاً، فبمجرد دخولهم أدركوا المفاجأة بأنهم مبصرون ولكن لا يبصرون، فكيف لهم أن يخلقوا لأنفسهم حياة جديدة في قعر هذا الجحيم. من جانب آخر تطرق الكتاب إلى الحالة النفسية للمعتقلين، تمثلت في نكران بعضهم للواقع المرير فمنهم من أستسلم وكان بانتظار آجلة ومنهم من تأقلم مع الواقع، كان التأقلم في البداية صعب جداً لكن مع مرور الأيام أصبح واقع لا محال منه. كيف جرُد المعتقلين من هوياتهم واستبدلت بأرقام، ايضاً الحالة الجسدية والصحية المزرية التى وصلوا إليها.
كيف كان يقضي المعتقلين يومهم، مرورا بسماعهم معاناة زملائهم بالجور يأنون ويصرخون من الألم ومن هول مصيرهم الغير معلوم، رائحة الموت التي أصبحت مألوفة فبمجرد ما يختفي صوت أحدهم يتهيب زملائه باستقبال تلك الرائحة، رائحة الموت الممزوجة بعفن السجن وفي بعض الأحيان ببعض الدم. الوصف المؤسف لموت بعضهم وكيف أنتهي بهم المطاف للموت بهذه الطريقة البشعة في زنازينهم. فكيف كان لمريضهم إن يُعالج وكيف كان لبائسهم إن يتفاءل، كيف لهم أن ينجو من هذه الحفرة؟ هل هنالك معجزة؟ أم فطرة الإنسان بتشبثه بالحياة.
كان الجزء الأخير من الكتاب يناقش إفراج الناجين من المعتقل ومرحلة ما قبل الإفراج من تأهيل وتأهيب للعالم الجديد. كيف تقبل البطل شكله الجديد بعد أول مره رأى نفسه صدفة في المرآة بعد ١٨ عام من العزلة المظلمة.
هل عادة لحياته بشكل طبيعي كم سبق؟ وما مدى تقبله للعالم الخارجي بعد لهفة الإفراج, تضارب المشاعر بين فرحة وحيرة وذهول وخوف من المستقبل. كيف كان استقبال العائلة له؟ قبول المجتمع لميت عاد للحياة فجأة من العدم، وما تأثير ذلك على حياته وعلى عائلته ومحيطة.
- من ما أعجبني وبث في روحي الأمل، هو روتين المعتقلين اليومي كيف كان لهم أن يتحملوا ١٨ عام في حفرة وكيف كانوا يقضون اليوم بينهم وكل واحد منهم بطريقته الخاصة. كيف تمسكوا بالحياة وتقبلهم لموت زملائهم بألم وحسرة ومطالبتهم بتكريم حرمة ميتهم. تمسكهم بأمل صغير جداً عند سماعهم صوت طائر يغرد خارج السجن.
ايضاً تطرق الكاتب الي وصف نوع العلاقة بين البطل وعائلته. طبيعة العلاقة المعقدة بين الابن ووالده الذي كان يعمل في البلاط الملكي المغربي، وكيف تلقي خبر أبنه الذي كان في مهمة لاغتيال الملك. كيف كانت ردة فعل والدته وأخواته وأصدقائه عند سماعهم الخبر بين مستنكر وبين راضي بقضاء الله وقدره.
- من سلبيات الكتاب، لم يغرق الكاتب كثيراً في وصف السجن والمعتقلين والعاملين فيه وعلاقتهم مع بعضهم البعض. ايضاً لم يسترسل في وصف حالة العمى الإجباري الذي كان قدر كل حبيس في هذه الحفرة، كما أن في نهاية الرواية لم أجد وصف كافي لكيفية استقبال المفرج عنهم للضوء وقدرتهم على النظر بعد قضائهم ١٨ عام في ظلام حالك. الإطالة في الحوارات الداخلية وأحلام والتأملات البطل وددت لو استبدلت بمواقف وأحداث واقعية في السجن لمعاناة المعتقلين.
وأخيراً أعتقد إن سبب تسمية الرواية " تلك العتمة الباهرة" بات واضحاً.
Comments