لماذا رواية الفقراء تعد واحدة من أهم أعمال دوستويفسكي؟
الفقراء
لــ فيودور دوستويفسكي
ترجمة: أحمد الويزي
عدد الصفحات: ٢٢١ صفحة
التقييم: ٥/٥
المراجعة:
الفقراء رواية رسائلية. وهي أول رواية كتبها دوستويفسكي، وهي واحدة من أعظم أعماله لما تثيره من قضايا اجتماعية ووقائع نفسية حدثت في القرن التاسع عشر في المجتمع الروسي، ومازالت موجودة إلى اليوم .
تتبادل الرسائل بشكل شبه يومي ببين شخصين: فارفارا ألكسييفنا آنسة شابة فقدت والديها في وقت مبكر من العمر ثم انتقلت للعيش مع مربيتها، و ماكار ألكسييفيتش رجل كبير في السن تعهد على معاونة فارفارا ومساعدتها، وهو رجل شريف ونبيل الخلق، مخلص في عمله كناسخ في قطاع حكومي.
يكمن الإبداع في قدرة الكاتب على تجسيد كل شخصية على حدة، يتضح هذا عند الانتقال في كتابة الرسائل بشكل بارع بين دور الفتاة الشابة والرجل العجوز، فالاختلاف كان واضحا من ناحية الأسلوب والرد وتجاذب أطراف الحديث. الحروف والكلمات كانت خير شاهد على الألم والمعاناة، فالرسائل كانت خير وسيلة لتخفيف هذا الألم. العلاقة بين الاثنين معقدة إلى حد ما، فلم تكن مطروحة بشكل واضح هل هي علاقة حب أم صداقة، في واضح العلاقة يظهر الاثنان علاقة صداقة مقربة ولكن ما تحمله الرسائل من مضمون يشهد علاقة حب صادق وطاهر مع ألم وتعاطف مرتبط بالبؤس المادي.
ترتكز الرواية على النقد الاجتماعي بتعريفها لفلسفة الفقر والواقعية النفسية بتحليل سيكولوجية الفقراء. كيف نظرة المجتمع للفقير وما يندرج تحته من ذل وعبودية وأمراض وموت وغيره من وجع تحت مسمى الفقر. كيف يعيش الفقير، وكيف يموت الفقير، وكيف يعاني الفقير، وكيف يطلب المساعدة الفقير، وكيف يرى الفقير أخيه الفقير، وكيف ينظر الغني للفقير.
الفقر مسئولية جماعية. اذ تتجل النظرة المحدودية في المجتمع تجاه الشخص الفقير على أنه شخص عديم الفائدة وعبء على المجتمع على عكسه الغني، فهو شخص منتج وناجح وذو بصمة في مجتمعه ومحيطه، فالاحترام والتقدير يمنح فقط لأصحاب الطبقة العليا، ويذل الفقير ويحقر ويبخس اعتقادا لضعفه.
إذا ما الذي يترتب على هذا "الفكر الطبقي" القائم على الطبقية.
الكتاب يثير قضية المبدأ الممنهج للفقر، فالفقر مصطلح أبتدعه أصحاب النفوذ والسلطة لاستعباد البشر وإذلالهم، وبشكل غير مباشر يمنون عليهم بالإحسان. فما نراه في الواقع من أنظمة اقتصادية وسياسية على مر التاريخ كان الفقر نقطة ارتكاز وانطلاق لكثير من الحضارات، فالكثير منها نمت ونهضت على أساس تفاضلي.
الفقر مرض خبيث وجب استئصاله والتخلص منه. لم يكن مساعدة الفقير أو التصدق اليه حل، الحل الحقيقي يكمن في اقتلاع الأنظمة البائدة التي تقوم على ترويج فكرة الإحسان والمعروف وإعادة هيكلتها وتقديم أنظمة عادلة محاربة للفقر.
ما أعجبني في الرواية،
اختيار دوستويفسكي أسلوب الرسائل لما له من وقع إيجابي على الشخص المحتاج والمحبط. ايضاً لم تقتصر الرسائل على سرد الشكوة والمعاناة ووجع الفقر فقط ، فقد كان هناك جانب مشرق انجلى بإظهاره تعفف المحتاج عن السؤال وطلب المساعدة تفادا للذل والاحتقار. أيضا تجسيد الحب الغير مشروط في إطار صادق وعفيف ومليء بالمودة، فنرى شخصين مختلفين في العمر جمعتهم نفس الظروف القاهرة من تعسر المال وحبهم للأدب والكتب.
واخيراً، لم يكن يوماً فقر المال عيب أو عار، فالفقر الحقيقي هو فقر الأدب والأخلاق والمبادئ والقيم، فقر المحبة والعطف والتواضع، فقر العلم والدين....
فكم من غني فقير وكم من فقير غني عفيف النفس.