أولاد حارتنا

أولاد حارتنا لـ نجيب محفوظ

أولاد حارتنا

لـ نجيب محفوظ

التقييم: ٥/٥

ملاحظة:

أحدثت الرواية ضجة كبيرة، وتعرض على إثرها مؤلفها نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال فاشلة، حيث اتهمه البعض بتجسيده للأنبياء والذات الآلية (تعال الله عن ذلك). 

لقد أبدع محفوظ في اللغة الأدبية باستخدامه المنهج الرمزي في الأدب. ففي هذا النوع من الروايات الخيالية يعتمد المؤلف على أسلوب الترميز للتعبير عما يدور في خاطره من أفكار، حيث يكون الإيحاء وسيلة غامضة لإيصال مفهوم أو نهج أو فكر معين، وهو فعل ونهج خيالي بحت يحتمل الخطأ أو الصواب.

المراجعة:

تتمحور الأحداث حول الشخصية الرئيسية "الجبلاوي" وابنائه. الجبلاوي شخص ذو قوة وهيبة يعيش في قصره الكبيرة ويملك ما حوله من أراضي شاسعة (الحارة)، ينشأ نزاع طاحن وعنيف بين أبنائه واحفاده حول أحقية إدارة الوقف ومن هو المستفيد الحقيقي من ميراث هذه الملك العظيم. فتروى قصص الصراع بين الابناء وتسلسل زمني وتأثر الأجيال التي تلتهم وعلاقتهم بشكل مباشر وغير مباشر مع كبيرهم الجبلاوي.

تنقسم الرواية إلى خمس قصص رئيسية، كل فصل يحمل اسم إحدى الشخصيات الرئيسية:

• القصة الأولى تحكي الصراع العنيف بين أدهم وأخيه غير الشقيق إدريس وعلاقتهما بأبيهما الجبلاوي.

• القصة الثانية تحكي المصاعب التي مره بها جبل في الحارة وعلاقته مع الجبلاوي.

• القصة الثالثة قصة رفاعه وما حدث له من أحداث في الحارة. 

• القصة الرابعة فهي قصة قاسم والصعوبات التي مر بها، واتباعه الذين ساندوه في التغلب على العقبات.

• القصة الخامسة قصة عرفة وهو أحد أحفاد الجبلاوي.

ما لفت انتباهي هو شرح الرواية للنظرة الكونية للحياة وفكرتها بان التاريخ يعيد وكرر نفسه منذ بداية الخلق. وهذا في رأي هو الهدف والمبدأ الأساسي وراء تأليف محفوظ لهذه الرواية.

فلنا في قصص الأنبياء وسيرهم قدوة حسنة في الأخذ بالعبرة والتعلم والاقتداء بها، فمن أفضل أنواع العبادة أتقان العمل، فقد جعلنا الله تعالى خلفاءه في الأرض لنعمرها وننشئ مجتمعاً صالحاً.

فلم يرسل الله الأنبياء عبثا، ولم تكن مهمة الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام فقط نشر الدين وحسب، بل كانوا خير قدوة للعالمين وخير معلمين ومرشدين ومربين لإصلاح وتهذيب النفس البشرية وارشادها إلى طريق الحق والنهي عن الباطل والتحذير منه. فنرى قدرة محفوظ في نسج سنة الحياة الكونية من خلال انعكاس حياة الأنبياء في حياتنا وواقعنا. كذلك طريقة معالجته لي الأخطاء التي يقع فيها أبطال الرواية، فمن طبيعة الإنسان ألا يتعلم من أخطاء الآخرين حتى يقع في نفس الخطأ، وهذا ما حدث بالفعل عبر العصور وفي احداث الرواية.

لهذا أجد ان الغرض الأساسي من هذه الرواية هو إعادة الزمن وان ما حدث بالأمس يحدث اليوم وسوف يحدث في المستقبل وهكذا... باختلاف الشخصيات والزمان والمكان.

كذلك، فإن الإبداع يكمن في تسلسل الأحداث بشكل جميل ومنطقي، وفي تجسيد الصراع السياسي والاجتماعي والتكوين الاسري في المجتمع، وتفسيره لأعماق التفكير وما يدور في نفوس الشخصيات. ينعكس في إطار السلطة بين أبناء الحارة وفتواتها، وما يحدث من تطغيان واستبداد، واستسلام الشعوب لحكم الدكتاتورية.

لم يكن اختيار اسماء الشخصيات في الرواية عبثياً، فلكل اسم له معنى ووصف يتناسب ويتوافق زمنياً مع كل نبي بداً بآدم عليه السلام وانتهاءه بنبينا محمد صلي الله عليه وسلام. فمن المهم عند قراتك الاخذ بالاعتبار المنظور الواقعي وانعكاسه في حياتنا اليوم، قد تجد أن العديد من الشخصيات في الرواية تمثل العديد من الأشخاص من حولنا في الواقع.

سأسترسل أكثر عن الشخصية الأكثر جدلاً في الرواية وهي شخصية "الجبلاوي" وكما فسره البعض على أنها تجسيد للذات الإلهية تعال الله عن ذألك. وكما جاء على لسان محفوظ قال: "شخصية الجبلاوي تجسيد لدور الدين والعلم، وشخصية عرفه تجسد للعلم"

من وجهة نظري وتفسيري لواقع احداث الرواية فإن الجبلاوي يمثل القيم والمبادئ والأخلاق التي حثت جميع الأديان السماوية عليها، فقد جاءت الأديان لتثبيت وللتأكيد على مكارم الأخلاق ووضع قواعد سلوكية واضحة يقتدي بها جميع البشر. في أعتقد أنه في كل منظومة هنالك تواجد لشخصية جبلاوي. الجبلاوي موجود في كل بيت وكل مؤسسة، بل احيانا نجده داخل أنفسنا فهو يختفي ويظهر حسب سيطرته وقوته، فكلما زادت سلطته زاد الجبلاوي قوة وطغياناً.  

اما عرفة فهو يمثل العلم، فالدين كان صريحاً في تأكيده على أهمية العلم، وعمل على إرساء الجوانب الروحية والأخلاقية إلى جانب العلم. كما جاء صريحاً في تأكيده على أهمية العلم ومكانة العلماء. 

ولكن هناك دائمًا صراع أبدي بين الدين والعلم. وهنا يتجسد دور شخصية الجبلاوي وعرفة، في الصراع بين الدين والعلم.

ومن المعلوم أن نهاية أي مجتمع يتمسك بالعلم دون أي مبادي أو الأخلاق (الدين) والعكس صحيح هو مدخل للفساد والانحطاط وبيئة لمجتمع منحل دون أي ضوابط أخلاقية او حدود لتفسير المعني الأسمى للإنسانية، فتكمن الفكرة هنا في التوازن بين العلم والدين، وان كل منهما مكمل للأخر في بناء مجتمع متعلم وإنساني صالح.

وأخيرا، لا أؤيد إطلاقا فكرة أن الجبلاوي يمثل الذات الإلهية. لأن من صفات الألوهية الكمال، والله كامل، والجبلاوي مليء بالعيوب والأخطاء، ومن صفات الألوهية أيضا الخلود، وفي النهاية مات الجبلاوي وانتهى عهده، ايضاً تعالى الله أن يتخذ صاحبة أو ولد، فكيف وللجبلاوي ذرية تخلف من بعده. فكيف يكون الجبلاوي ممثلاً للذات الإلهية؟

" إن آفة حارتنا النسيان"...